tg-me.com/NaeemEreksosi/945
Last Update:
394
جلسة الصفا
23 ذو القعدة 1445
31 أيار 2024
لفضيلة الشيخ
محمد نعيم عرقسوسي
بعنوان:
*فضل الاقتصاد في المعيشة وحسن التدبير*
مر معنا في ما سبق أن الله تعالى حرم الإسراف والتبذير، وذلك في قوله تعالى:
(وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)
وفي قوله تعالى:
"(وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانوا إِخْوَانَ الشياطين ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا")
ونذكر اليوم أن الحالة التي دعانا إليها الله تعالى، وحثنا على الالتزام بها هي حالة الاقتصاد وحسن التدبير، فقال تعالى يمدح صفة من صفات عباده عباد الرحمن:
(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَاماً)
قال الطاهر ابن عاشور:
كان أهل الجاهلية يسرفون في النفقة في اللذات، وأقوالهم في ذلك كثيرة في أشعارهم، ويفتخرون بإتلاف المال ليتحدث العظماء عنهم بذلك، قال الشاعر:
مفيد ومتلاف إذا ما أتيته
...تهلل واهتز اهتزاز المهند.
وفي الوقت ذاته كان أهل الجاهلية يقترون على المساكين والضعفاء، لأنهم لا يسمعون ثناء العظماء في ذلك.
فمدح الله تعالى الذين يتجنبون الإسراف ويحذرون الإقتار، بل يكون إنفاقهم وسطا بين هاتين الرذيلتين، فقال تعالى: (وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَاماً)
والقوام: العدل والقصد بين الطرفين،
والمعنى أنهم يضعون النفقات مواضعها الصالحة كما أمرهم الله تعالى، فلا يبددون المال ولا يستنفدونه، ولا يتلفونه في المظاهر الفارغة وحب الظهور الذي يقصم الظهور، وكذلك لا يقترون، فلا يمسكون المال فيحرمون بذلك من يستأهله.
وهذا التوصيف لعباد الرحمن ومدحهم بذلك جاء توجيهاً وإرشاداً في سورة الإسراء، فنهى الله تعالى عن كلا الأمرين: عن الإسراف وعن البخل والإقتار، فقال تعالى:
(وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا)
أي لا تكن بخيلاً منوعاً لا تعطي أحداً شيئاً، ولا تسرف في الإنفاق فتعطي فوق طاقتك وتخرج أكثر من دخلك، فتقعد ملوماً محسوراً، أي إن بخلت يلومك الناس ويذمونك ويستغنون عنك كما قال زهير بن أبي سلمى:
ومن كان ذا مال فيبخل بماله...
على قومه يُسْتغن عنه ويذمم.
ومتى بسطت يدك فوق طاقتك قعدت بلا شيء تنفقه، فتكون كالحسير، وهو الدابة التي عجزت عن السير، فتوقفت ضعفاً وعجزاً، فإنها تسمى: الحسير.
فالتوسط والاعتدال في الإنفاق وحسن التدبير في المعيشة فيه الخير والسلامة والسعادة والاستقرار في الحياة، وفيه حفظ للنعمة، وشكر لله تعالى عليها، لأن المرء استعملها وفق توجيه الله تعالى.
ولذا جاءت توجيهات النبي ﷺ مؤكدة لهذا المعنى، ومبينة ثمراته ونتائجه الحميدة، وأن حسن التدبير والاقتصاد في المعيشة يذهب الفقر ويجلب الرزق وتحصل منه البركة :
فروى الإمام أحمد وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم من حديث ابن عباس وحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما، قالا: قال رسول الله ﷺ: ما عال من اقتصد، أي ما افتقر من أنفق قصداً ولم يجاوزه إلى الإسراف.
وهذا كان هدي النبي ﷺ في جميع شؤونه، وهديه أكمل الهدي، وسنته ﷺ أعظم الأعمال و الأحوال :
فقد روى الإمام البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، أنَّ قَدَحَ النبيِّ ﷺ انْكَسَرَ، فَاتَّخَذَ رسول الله ﷺ مَكانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِن فِضَّةٍ، أي إنه ﷺ وصل الكسر بهذه السلسلة، ولم يلقه ويستغن عنه.
ففي هذا الحديث حسن تدبير النبي ﷺ وحفظه للمال، حيث أصلح هذا القدح حين كان إصلاحه ممكناً، ولم يتخلص منه ويشتري غيره.
و روى أبو داود والنسائي وغيرهما عن السيدة ميمونة رضي الله تعالى عنها أن النبي ﷺ مرَّ بشاة ميتة، فقال النبي ﷺ: هلا انتفعتم بجلدها؟؟، قالوا: إنها ميتة، فقال لهم ﷺ: إنما حرام أكلها، أو ليس في الماء والقرظ ما يطهرها؟؟
وفي رواية: قال عليه الصلاة والسلام: إن دباغ الأديم طهوره.
و روى أبو داود من حديث عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله ﷺ قال:
*إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد في المعيشة جزء من خمس وعشرين جزءاً من النبوة.
إن الاقتصاد في الإنفاق والحذر من إنفاق المال في كماليات لا فائدة منها، وخاصة من الأغنياء والأثرياء، له أثر عظيم في تجاوز الأزمات الاقتصادية والظروف القاسية من غلاء المعيشة أو شح الموارد أو قلة ذات اليد، والشدائد التي تحل بالبلاد .
وهذه السياسة هي التي اتبعها سيدنا يوسف عليه السلام حين قصَّ عليه الملك رؤياه: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يا أَيُّهَا المَلَأُ أَفتوني في رُؤيايَ إِن كُنتُم لِلرُّؤيا تَعبُرونَ)
BY 🌒دروس جلسات الصفا في جامع الإيمان بدمشق 🌘
Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283
Share with your friend now:
tg-me.com/NaeemEreksosi/945